dimanche 23 septembre 2007

كلنا في الهم شرق

لو كنت مكان القائمين على شؤون المسلمين في العالم لاتخذت قراراً منذ سنوات بتغيير الرموز الرمضانية، كالمسحراتي، والفانوس، والهلال، والمآذن، والمساجد عن بكرة أبيها، وإبعادها عن الشاشة، لأنها لم تعد مناسبة أبداً للتعبير عن أجواء الشهر الفضيل، ولقمت باستبدالها برموز أكثر تعبيراً وصدقاً. فبدلاً من تداول رمز المسحراتي الذي كان يجوب الحارات بطبله الشهير لإيقاظ الناس من أجل تناول طعام السحور، وحثهم على الصيام، لوضعت رمزاً جديداً، وهو رمز التاجر الجشع أو «المتاجراتي» الذي أصبح صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في رمضان، فهو سيد الساحة الذي يصدّع رؤوسنا بالإعلانات على شاشات التلفزيون ولوحات الإعلانات في الشوارع عن بضائعه الرمضانية المهولة، حتى تخال نفسك أنك في شهر للتسوق، أو مطلوب منك التعويض عما فاتك من استهلاك على مدار العام، وهو الذي يتفنن بعرض ما لذ وطاب من السلع والمأكولات والمشروبات في محلاته التجارية مترامية الأطراف، ويكومها فوق بعضها البعض كالهضاب ليغري الناس بشرائها بالأطنان بشكل أعمى، بحجة الإفطار والترويح عن النفوس بعد الصيام، وكأن هناك مجاعات. آه كم تغير رمضان الكريم، فبعد أن كان مناسبة للزهد والصبر والتقنين والاقتصاد ولجم النفوس، أصبح الآن مناسبة للبذخ والإسراف والتبذير والشراهة والجشع والاستعراض والفلتان والوحشية الاستهلاكية. لم يعد هناك محل من الإعراب أبداً للمسحراتي في الثقافة الرمضانية الجديدة، إلا ربما في محل مجرور، بعد أن حل محله التاجر الذي لا يحث الناس على الصيام، بل على النهم الجنوني والتخمة وإفراغ الجيوب. كم استغرب منظر الناس المتزاحمين بالألوف على المحلات التجارية في شهر رمضان المبارك، وكأنهم لم يروا الأكل والشراب منذ أيام سيدنا نوح، أو كأن العالم مقبل على كارثة كبرى تستدعي التبضع وتخزين المواد الاستهلاكية لشهور خوفاً من نفادها من الأسواق. ولو احتج البعض على اتخاذ التاجر رمزاً جديداً لشهر الصيام بدل المسحراتي، لا بأس، فبالإمكان استبداله بشراب «فيمتو» الذي أصبح، من شدة إقحامه على مسامعنا ونواظرنا عبر الشاشات، أشهر من كل «المسحراتيه» من موريتانيا حتى الأردن مجتمعين. لم يعد الشهر الحرام بأي حال من الأحوال للتعبد والروحانيات، بل شهر للإنفاق والاستهلاك الماراثوني، بدليل أن الكثير من الناس لا تـُصاب بالسمنة والأمراض الناتجة عن التخمة إلا في رمضان. ألم يفرغوا الشهر من مضمونه، ويتجرنوه بشكل مفضوح ليصبح نسخة طبق الأصل عن الأعياد الغربية التي يغلب عليها الطابع التجاري والاستهلاكي الرهيب؟ لقد انقلبت الآية رأساً على عقب، فأصبح الناس يقترون على أنفسهم في أشهر السنة الباقية كي يوفروا بعض المال من أجل الاستمتاع به في شهر «الصوم»، وكأنه غدا مناسبة للمتعة والفكاهه والاستجمام والملذات!! فلو التزم الناس بشروط الشهر الكريم لوفروا الكثير من الأموال، خاصة وأنه من المفترض أن يكون شهر العفة، والتمنع، وكبح الشهوات، سيما وأن الصائمين لا يتناولون في اليوم سوى وجبة واحدة خلاله. لكن هيهات! باي باي هلال رمضان! لم تعد ملهمنا ولا دليلنا إلى الشهر الفضيل. ولا أدري لماذا ما زالوا يضعونك على بطاقات المعايدة، أو رسائل الموبايل التي يتبادلها المسلمون، أو على شاشات التلفزة العربية خلال الشهر الفضيل! لقد أصبحت ضيفاً ثقيلاً على شاشاتنا وبطاقات العيد، إن لم نقل غير مرغوب فيك، فقد حلت محلك أنواع الحلوى و«الكحك»، على اعتبار أن بعض أشكالها مشابهة لشكلك. أما صور المآذن والمساجد التي تكسو الشاشات العربية زوراً وبهتاناً في شهر رمضان فهي بدورها لم تعد معبرة بأي حال من الأحوال عن روحانية الشهر الأكرم. ولا بأس أن يستبدلوها بصورة «الشيشة» أو الخيم الرمضانية، فهي أصدق تعبيراً بكثير عن سلوك الناس وممارساتهم ومتابعاتهم في ذلك الشهر. وحدث ولا حرج عن ذلك الفانوس الرمضاني المسكين، فقد أمسى من رموز العصور السحيقة، (مع العلم أن الصين مازالت تصنعه وتصدره للعالم الإسلامي)، لكن ليس لأن الكهرباء حلت محله، بل لأنه لم يعد هناك وقت لدى من يحمله ويجوب فيه الأزقة والحارات ومرافقة المسحراتي، فالكل مشغول إما بالنوم العميق، أو بمتابعة المسلسلات والبرامج التليفزيونية «الهايفة» التي تتكاثر كالفئران في شهر الصوم، والتي يــُنفق عليها مئات الملايين من الدولارات لتكون المعلم الأبرز للشهر الكريم، والمعبّر الأصدق عن فعالياته. لا أريد أن أقول أبداً إن الشهر المبارك يجب أن يكون شهر هم وغم، لكن، ليس مطلوباً أيضاً أن يتحول إلى مناسبة تجارية واستهلاكية وتبذيرية وترفيهية واستعراضية مفضوحة. بالله عليكم من الذي يتآمر على الدين الحنيف، الغرب أم المسلمون أنفسهم؟ آه كم كانت الفلسفة الصينية القديمة «التاو» صادقة في حِكَمِها الرائعة عندما قالت: «الشعائر قشرة الإيمان»!
د. فيصل القاسم تاريخ النشر : يوم الأحد 23 سبتمبر

1 commentaire:

Anonyme a dit…

Salut c'est hors sujet je sais que vous êtes peut être à jerba, mais je vous lance l'invitation au Meetup du 29 09 2007 : je vous propose l'espace d'art Ben Abdallah dans la médina juste en face du musée des arts et des traditions populaires pas loin de tourbet el beyets. J'ai eu l'accord pour qu'on ait l'espace à notre disposition. Pratiquement : les boissons et rafraichissements seront servis par la cafétéria du lieu, pour l'intendance concernant les grignotages faites des propositions soit que chacun ramène quelque chose ou bien quelqu'un s'occuperai de tout et on fera les comptes après. Côté musique faites vos playlist, de mon côté j'espère pouvoir vous réserver une bonne surprise. Voir le plan d’accès sur mon post à ce sujet.