دخلت خريف 1999 كلية 9 أفريل شاهرا حبي باحثا عن ذاك الفضاء الجامعي الذي تسمع فيه الكلمة الحرة و تخرج السياسة فيه من عباءة اللغة الخشبية. سربون الجامعة التونسية حيث درس ميشال فوكو و رولان بارت كانت كذلك بعبق تاريخها الطويل في البحث العلمي تستميلني لأنني لا أحب المؤسسة الحديثة التكوين و أجد راحة غريبة داخل الجدران القديمة التي أخدودت بفعل الزمن. دخلت 9 أفريل عقب انتخابات تلك السنة و قد أفرج عن طلبة ينتمون الى تيارات سياسية مختلفة. كانت المعلومات التي استقيتها من الأعداد الكثيرة من مجلتي المغرب العربي و حقائق لسنوات 1988/1991 غير محينة فاتحاد العام لطلبة تونس كان في اعتقادي نقابة قوية يقرأ لها ألف حساب أمينها العام سمير حمودة.
غير أنني فجئت بأنني لم أكن بعيدا عن الخزمة فالأطراف السياسية هي نفسها التي مازلت تنشط داخل الحرم الجامعي و كأنها حنطت بعضها أندثر و البعض الاخر ينشط بشكل عرائضي. غير ان اتحاد الطلبة لم يعد سوى شقف يتنافس عليه المتخاصمون من أجل ملئه بالسوائل الأديولوجية,
بداية من شهر نوفمبر بدأت تتوضح التلوينات السياسية بين أشياع اليسار بين أصحاب الاجتماعات العامة المرخص لها و بين أصحاب الاجتماعات العامة الاخرى تنطلق الأجي داخل الساحة الحمراء أو بجانب مقهى الكلية على اثر تصفيق من مجموعة من الطلبة التي تترك المجال لخطيب مفوه ينهال بنقد لاذع للسلطة متوعدا حينا ساخطا احيانا مستشهدا بفقه اليسار تقف فاغر الفاه أمام هذا المتحدي و أنت الذي لم تقرأ او تسمع بهكذا نقد الا عبر قنوات المعارضة التلفزية
شيئا فشيئا يزيل عنك العجب و مع مرور الوقت و بقربك من هؤلاء الشباب الطالبي المناضل تفهم مدى جدية الخطر المحدق بهم فمنهم من أتم جزأ كبيرا من دراسته داخل السجن ومنهم من تعرض لأمراض خطيرة لآ لشيء سوى انهم صدعوا بأرائهم داخل وسط عام لم تعد تهمه السياسة بقدر ما تهمه مشاكل اليومية.
مازلت صور عالقة بعد عشر سنوات لذلك الشاب الخطيب الهزيل القوام المتألم جراء أوجاع كليته وهو يذكر باسلوبه المتفرد قصة آحر خلفاء بني أمية وهم يعبرون النهر هربا من بطش العباسيين حتى يعيد الى اذهان خصومه السياسين ما وقع له جراء تهاونهم
تمر الأيام وتبقى ذكرى الجامعة التونسية مرسومة لفرادتها في شكل كلمات : كتلة عائلة وطنية بوكت قوميون... أو في شكل صور لساحة مستطيلة الشكل جمعت في أرجائها متناقضات المجتمع التونسي في أجمل أشكله شكل الشباب الحائر المنتفض الخامل المقموع الحالم المستكين التقدمي المحافظ...
لا لسجن الطلبة لأرائهم حتى تبقى الجامعة فضاءا حرا بعيد عن التمييع و التسطيح الذي تعيشه الأجزاء الجامعية الاخرى و حتى تظل الحركة الطلابية مساهمة في الاستقلال الوطني الثاني.
vendredi 5 février 2010
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
1 commentaire:
Bravo
un trés bon post
Enregistrer un commentaire